Press
March 13, 2012
Oman Daily’s review of Douaihy’s ‘Chased away’ #IPAF2012

Oman Daily’s review of Douaihy’s ‘Chased away’ #IPAF2012


Ihab Al Mallah, for the Oman Daily, March 6th, 2012

Photo: Barbara Zanon, The National, AE
«The Muslims didn’t consider him a Muslim. The Christians didn’t think he was one of theirs either. Only God embraced him, Nizam Mahmoud Al Alami, or Nizam Touma Abou Chahine. It doesn’t matter.»

This is, in short, the tragedy of the Lebanese young man Nizam, who has fallen victim to the violent fighting in Lebanon during the civil war that flared up one black morning in the mid-seventies. A tragedy narrated, pursued chapter after chapter, and its threads woven with great ability, talent and ingenuity by the Lebanese novelist Jabbour Douaihy, in his magnificent novel ‘Chased away’, one of the six shortlisted for the International Prize for Arabic Fiction, 2012.

(…)

Douaihy leans on the historical facts of the alarming chapters of the Lebanese civil war that lasted 15 years, and creates his tragic novel that focuses on Nizam Mahmoud Al Alami’s biography, from his birth to his death. This work is a distinguished one, both structurally and linguistically, as it entwines a network of narrative relationships. It borrows from history, creates from it, adds to it through an artistic fictionalization, which is cohesive and well controlled, many expressive details and touching short dialogues.

The novel exceeds the historical event, even if it takes it as a starting point, to cross paths with bigger and wider implications. As the novel is not a narrative record, or a faithful document of history, as much as it is a complete artistic work, multiple in its reading levels, both in structure and in style.

(…)

I believe that the great novelist, Jabbour Douaihy, remained a prisoner of this novel for many years, until he liberated himself from it, by writing it with such refinement, and noble pain.

Arabic original below.
:: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::

إيهاب الملاح:– «لا المسلمون اعتبروه مسلماً.. ولا المسيحيون حسبوه واحداً منهم.. لفظه الجميع وقبله الله.. نظام محمود العلمي.. أو نظام توما أبو شاهين.. لا يهم».. تلك باختصار مأساة الشاب اللبناني «نظام» الذي راح ضحية الاقتتال العنيف في لبنان خلال الحرب الأهلية التي اندلعت شرارتها ذات صباح أسود في منتصف السبعينيات. مأساة يرويها ويتتبع فصولها وينسج خيوطها باقتدار وتمكن وبراعة لافتة الروائي اللبناني المعروف «جبور الدويهي» في روايته البديعة «شريد المنازل» الصادرة في 2010 عن دار النهار البيروتية، وهي إحدى الروايات الست المرشحة للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية، بوكر 2012.
شرع الدويهي في كتابة «شريد المنازل» عام 2007 ونشرها في نهاية 2010؛ أي بعد قرابة 35 عاما على اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، وهي بذلك تعد الأحدث ضمن منظومة من الروايات التي عالجت ذات الموضوع بتنويعات شتى وأساليب مختلفة منذ ثلاثية سهيل إدريس الشهيرة، ورواية «طواحين بيروت» لتوفيق يوسف عواد، وليلى عسيران في روايتها «جسر الحجر»، مرورا بإلياس خوري وروايته «رحلة غاندي الصغير»، وعلوية صبح وروايتها «مريم الحكايا»، وحنان الشيخ في «حكاية زهرة» و«امرأتان على شاطئ البحر»، وربيع جابر في «تقرير ميليس»، وغيرها من الروايات التي يصعب حصرها في هذا الحيز.
يتفق الكثيرون على أن الشرارة الأولى في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كانت في 13 أبريل 1975م حيث محاولة اغتيال الزعيم الماروني «بيار الجميّل» التي قام بها مسلّحون فلسطينيون، وأدت إلى مقتل أحد مرافقيه. ورداً على هذه الحادثة وقعت حادثة «عين الرمانة» التي هوجمت فيها إحدى الحافلات المدنية، وكان يتواجد على متنها ركاب فلسطينيون، مما أدى إلى مصرع 27 شخصاً.
وفي 6 ديسمبر 1975، تم العثور على أربع جثث لأعضاء من حزب الكتائب اللبنانية، فقامت الميليشيات المسيحية على أثرها بوضع نقاط تفتيش في منطقة مرفأ بيروت وقتلت المئات من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين بناء على بطاقات الهوية (التي كانت آنذاك تدون مذهب حاملها) فيما عرف لاحقاً بالسبت الأسود. وأدت عمليات القتل لاندلاع الاشتباكات على نطاق واسع بين الميليشيات. فانقسمت بيروت إلى منطقتين عرفتا بالمنطقة الشرقية، وأغلبها مسيحيون، والمنطقة الغربية التي كانت مختلطة مع أكثرية إسلامية.
اتكاء على هذه الوقائع المفزعة من فصول الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، وانطلاقا منها، يبدع الدويهي مرثيته الروائية المأساوية التي تتناول «سيرة نظام محمود العلمي»، منذ مولده وحتى مقتله، في عمل روائي متميز بنائيا ولغويا، عبر شبكة متداخلة من العلاقات السردية، مستغلا أو متكئا على النواة التاريخية السابقة، مؤلفا منها ومضيفا إليها، وعبر تخييل فني متماسك ومحكم، تفاصيل معبرة وحوارات قصيرة مؤثرة.
تتجاوز الرواية «الحدث التاريخي»، رغم انطلاقها منه، لتتقاطع مع دلالات أوسع وأكثر رحابة؛ فالرواية ليست تدوينا سرديا أو تسجيلا حرفيا للوقائع التاريخية (تبدأ أحداث الرواية بتاريخ أسرة نظام في أواسط الخمسينيات وتنتهي في أوسط السبعينيات؛ أي أنها تنتظم قرابة ربع القرن) بقدر ما هي كتابة فنية خالصة، متعددة المستويات، أسلوبيا ولغويا ودلاليا.
يصوغ الدويهي سيرة «نظام العلمي»، رمز لبنان الحزين والتعايش السلمي والتصالح الإنساني في ذراه العليا، متعاليا ومتجاوزا للتصنيف العرقي والعشائري والتقييد الطائفي والتحديد المذهبي.. دفع حياته ثمنا لإهدار الحلم اللبناني وإعلانا لسيادة التعصب المقيت والطائفية البغيضة، وتداخلت مع سيرة بطل الرواية وتقاطعت معها «سير أخرى وتجارب شخصية وعامة واستعادة لجيل من اللبنانيين فتنتهم المُثل اليسارية وشتتتهم الحروب اللبنانية»، كما صرح المؤلف بذلك، ومضيفا أن هناك بالطبع موقفا خلفيا أو مسبقا في الرواية يشي بخيبة «من كنتُ منهم يسارياً مناضلاً في سنوات الجامعة مفعمين بالآمال ومقبلين على الحياة بشراهة، فانزوينا أمام المدّ الأهلي المتفجّر وانقساماته الطائفية التي أودت بكل منا إلى «عشيرته» أو إلى خارج البلاد». بقي نظام في الوسط..
تتوزع الرواية على أربعة فصول معنونة، ومقسمة بدورها إلى وحدات مرقمة بالأرقام اللاتينية.. الفصلان الأول والثاني «الخزامى وأشياء أخرى»، و»بيروت؟ هاك بيروت»، يمثلان تمهيدا وتوطئة لمأساة بطل الرواية، وهما يشغلان أكثر من نصفها بقليل، حيث تبدأ من الوقائع الصغيرة المتوارية التي تتكشف شيئا فشيئا عن جذور أسرة نظام محمود العلمي، الأسرة المسلمة السنية، ليتوقف (الراوي/ السارد) طويلا عند طفولته الموزعة بين طرابلس (بلدة أسرته المسلمة) والحورا (مصطاف العائلة) ليتتبع مساره ومجريات سَنيه الأولى التي تتمخض عن انتقاله لأسرة مسيحية مارونية، (توما أبو شاهين، وزوجه رخيمة)، اللذين لم ينجبا ولم يكن لهما من الإنجاب نصيب، فيتعهداه بالرعاية والحب والنفقة، ويغدقان عليه كأبوين أصيلين.
وخلال هذا الجزء نرى أن البطل لا يعاني من أي صراع داخلي بين كونه مسلما ينتسب لأسرة مسلمة سنية، حفظ أجزاء من القرآن وهو طفل صغير، وبين إقامته وتربيته لأسرة مسيحية يحسب عليها، بل ويتعمّد (من طقوس اعتناق المسيحية) رغبةً في توطيد أواصره بأسرته المسيحية.
ثم يغوص الراوي في قلب المشهد البيروتي الحافل أواسط السبعينيات، حيث يرصد التحولات التي طرأت على بطله «نظام» منذ مغادرته للحورا وتوجهه لبيروت العاصمة لينخرط سريعا ومن خلال علاقة عاطفية جمعته بفتاة يسارية، بإحدى التظيمات والخلايا السرية، تتخذ من شقته المطلة على البحر (رأس بيروت) مكانا دائما للاجتماع والالتقاء، كأنها نموذج مصغر لبيروت العاصمة التي كانت محفلا كولنياليا وعربيا؛ سياحيا وسياسيا ونضاليا تحرريا، حتى لتزدحم بكل هذه التيارات وتنوء بها إلى أن ينفجر الوضع وتشتعل شرارة الحرب.
في الجزء الثاني من الرواية، الذي يضم الفصلين الثالث والرابع، (أنت أحمد؟) و(يراعة الليل)، وهو الذي تتجسد فيه مأساة «نظام» التي تصل إلى ذروتها بمقتله خلال الحرب الأهلية اللبنانية، يكشف الراوي عن قبح وبشاعة تلك الحرب التي حطمت ودمرت وقضت على بهاء لبنان وزهوة بيروت وخلفت وراءها قتلى ودمارا، ولا ينجو أحد من وقع وتأثير هذه الحرب المهولة حتى من كان يظن نفسه بمنجى منها أو بمأمن من شرورها طالته تبعات العنف الذي تفجر في الحرب اللبنانية وجرفته في طريقها الأسود كالطوفان العاتي على الأفراد والمجموعات؛ «نظام ورفاقه، جَنان حبيبته، وعم رفّول المهاجر من الحورا والمقيم ببيروت، صاحب الفندق، أولغا الروسية.. إلخ» .
من المشاهد اللافتة في هذا الجزء مشهد لقاء أولغا ونظام عقب نجاته من مذبحة المسلحين الذين كانوا يقتلون المئات على بطاقات الهوية، وحسب التصنيف الطائفي.. احتضنته أولغا التي اجتمعت فيها وجوه المرأة المتعددة: الأم والزوجة والحبيبة والعشيقة. حاولت أن تحميه وتنقذه من إحساس الكسر والانقهار.. لكنه في المقابل لم يستطع أن يكون بجانبها أو يدافع عنها وينقذها أو يمحو عنها ما أصابها من قهر وذل عقب اغتصابها على أيدي أفراد الميليشيات المسلحة.. فذهبت ولم تعد.
ربما كانت أولغا فيليبوفنا.. الروسية البيضاء أو (روس بلانش)، رمز الجمال الغارب من لبنان أو هي بيروت نفسها التي اغتصبها بنوها بلا رحمة أو شفقة فتبدل وجهها الجميل وتلون بالدم الأحمر القاني. وربما كانت تلك هي لحظة موت نظام الحقيقة.. اللحظة التي فقد فيها إحساسه بإنسانيته وكرامته ووجوده، قبل أن يقتل على أيدي من ظنوه مسيحيا وهم لا يعلمون أنه منهم، مسلم مثلهم!.
السرد.. واللغة
اعتمد المؤلف تقنية «الراوي العليم» أو «السارد كلي المعرفة» بطول الرواية، من بدايتها إلى نهايتها، حيث يقود دفة السرد ويوجهه، هذا الحضور القوي للراوي لا يبين لنا فقط صورةً عن البناء المحكم كيف يلتقي مع طريقة السرد، ولكنه علاوة على ذلك، يكشف لنا رؤية سردية ومعرفية وتاريخية يمتلكها الراوئي، وهو يتماهى مع الراوي ليجسد لنا طريقة في الكتابة ورؤية خاصة للعالم، كما يسعى الكاتب إلى تقديمها. بناء عليه يتقلص إلى حد كبير دور «المروي عليه» ليصبح موجها بالكلية إلى الوقائع المروية، يتابعها مشغوفا ببراعة (السارد/ الروائي) في اجتذابه وقنصه لمتابعة السرد وتحفيزه على الدوام للانتقال إلى المحطات السردية المتتالية عبر فصول الرواية.
يتولد عن الحضور المهيمن للراوي الناظم الخارجي تقلص الحوار، حتى عندما يقدم لنا الروائي المشاهد التي تتخللها حوارات بدت في أغلبها قصيرة ومجملة وليست ذات دور كبير في التعريف بالشخصيات أو تقديم معرفة جديدة أو مضافة بها لأن كل شيء يقدم من خلال السرد وكأن هذه الحوارات تأتي فقط تكميلية. إنها بمنزلة الشواهد التي توظف لاستكمال ما اضطلع السرد به وجاءت فقط لتعضيده ومساندته.
«شريد المنازل» نص روائي متخم بفضاءات وشخصيات متنوعة. إبحار أسطوري بنفس روائي ممتد ولاذع.. نموذج فريد لرواية الحزن اللبناني العتيق بامتياز، حيث مخاضات الحرب الأهلية المقيتة التي راح فيها زهرة شباب لبنان من أبناء الضيعات والأرض، وحيث بيروت الزاهية تصرخ وتنوح وتنوء بأثقالها المتناقضة.. لتجسد مدينة الحب واللذة والدم!.
وأظن أن الروائي الكبير جبور الدويهي ظل أسير هذه الرواية لسنوات طويلة حتى تحرر منها بكتابتها بهذا الشكل الفني الراقي وهذه الرهافة الموجعة.