Press
January 18, 2011
Remembering the old days – An emotional retrospect ignited by Douaihy’s latest novel

Remembering the old days – An emotional retrospect ignited by Douaihy’s latest novel

Tripoli formed a vital part of the movement that marked young men and women after the defeat of 67. This movement’s leftist, democratic and secular aspects were confirmed after the student’s revolt in France in 68, the fall of the Che Guevara in the jungles of Bolivia and the steadfastness of the Viet Cong in the face of American terrorism.

The youths of the Tripolitan movement were to be found at the Hill’s cafe, the Library of Michael Farah and other corners of the Azmi, Mar Maroon and Metran streets, passing by cultural clubs, the homes of some of the leaders and discoverers of this New Left in the Haddadin, Abi Samra, and the port’s neighborhoods, leading all the way to the popular areas of Al Tebbani, Baal Mehsen, and Al Qubba where the heaviest blocks of this movement were localized; while leftist Arabs from the old school sought refuge in first class clubs.

The year of 68 was a true boiling period. The Israeli strikes on Lebanese aircrafts, consisted in the spark that ignited the block of young followers, with leftist inclinations. Thus happened the Intifada, the birth of the new left, a natural result of the masses being shocked by the 67 defeat, and of the frustration of people fed up with set stereotypes. Thus the movement broke into high schools and complementary schools, until it occupied the girls’ secondary school of Zahriyeh, despite the accompanying rumors and intimidations the aim of which was to strike the determination shown by the girls of the baccalaureate year, led by Nahla Al Shahal.

Tripoli, as all of Lebanon had entered a new phase after 67, a post-Nasser and post-Shehab phase. The defat also lead to the constitution of a so-called Christian Right movement, that tried to control the country, which will eventually lead to the emergence of the ‘Christian Consciousness’ Movement, headed by Shaqiq Al Rawi, Essam Khalifa, and others.

And as the new left developed, moving forward towards change in all its colors, so has the rightist movement, beating the Chehabist camp in the elections of 68 (…)

Jabbour Douaihy’s recent novel, from the perspective of an old leftist, represents an important opportunity to rediscover ourselves through and enjoyable, useful and influential read. I believe I wasn’t the only one who shed a few tears when Nizam was killed, and when none of his two worlds would welcome his remains. We all are still looking for him.

Article by Talal Khoja, published by Al Nahar.
Full Arabic article below

:: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::


‎بين “شريد” جبور الدويهي و “فتى” فواز طرابلسي الأحمر
بقلم طلال خوجه – طرابلس
 
‎شكلت طرابلس جزءا من الحيوية التي طبعت الشباب والصبايا بعد هزيمة 67 ومن ثم تعزز جانبها اليساري والديموقراطي والعلماني بعد الثورة الطالبية في فرنسا عام 68 وسقوط تشي غيفارا في غابات بوليفيا وصمود الفيتكونغ في وجه الإرهاب الأميركي.
‎وقد توزعت هذه الحيوية الشبابية طرابلسيا بين مقهى التل ومكتبة ميخائيل فرح وزوايا شوارع عزمي ومار مارون والمطران مرورا بالنوادي والروابط الثقافية، فضلا عن منازل بعض “قادة ومكتشفي” اليسار الجديد في الحدادين وأبي سمراء والميناء وصولا لثقل الكتل الشعبية في التبانة وبعل محسن والقبة، بينما التجأ اليساريون القدامى إلى النادي العربي بالدرجة الأولى.
‎ 
كانت سنة 68 سنة غليان فعلي، وشكلت الضربة الإسرائيلية للطائرات اللبنانية في المطار الشرارة التي أشعلت ذيل الكتل الشبابية ذات الميول اليسارية فكانت الإنتفاضة التي شكلت معمودية اليسار الجديد المتناسل من جموع صدمتها الهزيمة ومن أناس ضاقوا ذرعا بالقوالب الجامدة، فاحتلت الثانويات وبعض التكميليات، حتى وصل “الإحتلال” لثانوية البنات في الزاهرية رغم ما رافق ذلك من شائعات وتخويف كانت كلها قاصرة عن ثني العزيمة الصلبة التي تحلت بها صبايا البكالوريات بقسميها تتقدمهم نهلا الشهال.
‎ 
كانت طرابلس كما لبنان قد دخلت في مرحلة ما بعد 67، أي ما بعد عبد الناصر وشهاب عمليا، حيث شكلت الهزيمة دافعا ايضا لما سمي باليمين المسيحي لمحاولة السيطرة على البلد مما سيؤدي لنشوء حركة الوعي “المسيحية” بقيادة شقيق الراوي وعصام خليفة وآخرين. وكما تقدم اليسار الجديد واندفعت القوى التغييرية بكل ألوانها، كذلك تقدم “اليمين” ممثلا بالحلف الثلاثي هازما الشهابيين في انتخابات 68، والمفارقة أن من سيقود الأحزاب والتجمعات اليسارية وقوى “الإعتدال” الإسلامي، هونفسه من سيسقط مرشح الرئاسة الشهابي في انتخابات 70، ما يشي بالطبيعة الخاصة جدا للسياسة اللبنانية المنخورة بالطائفية والمناطقية والعائلية والمتزينة بكل الأنواع الإيديولوجية وأصولها أيضا.
‎دخلت البلاد في كل أنواع النقاشات والمناظرات ولم يكن اي موضوع ليشكل”تابو” أمام المحتجين والمتمردين والمتململين والمقهورين من أنظمة طوارئ عجزت عن التنمية والتحرير في آن واحد، بعد أن امتد الإحتلال الصهيوني بفعل الهزيمة إلى كل فلسطين وبعض اراضي دول الإطار. أليس طبيعيا بعد ذلك ان تتقدم الآلة الفلسطينية وثورتها جارفة معها كل الثوريين بشعارات فيها من الوطني والقومي والإسلامي والأممي، الماركسي اللينيني الماوي خصوصا، وهي تحمل عطرا من روائح الغابة التي سقط فيها غيفارا ومن بعض البقايا “الثورية” العربية، الناصرية وغير الناصرية.
‎كانت النقاشات تدور في كل مكان وحول كل شيء، حتى أن مقهى التل العليا الشهير كان يشهد نقاشات علنية بين الإسلاميين المدججين بمنظرين من خارج لبنان واليساريين المدججين بماركس ولينين وغرامشي وطالت المناظرات حتى ” جنس الملائكة”.

 
ورغم أن محسن ابراهيم كتب في مجلة الحرية في أعقاب الهزيمة: “كلا لم يسقط عبد الناصر”، إلا أن الزخم والغضب والتحول اليساري والشيوعي داخل الفصائل اليسارية (المنضوية لاحقا في منظمة العمل الشيوعي) أوصلنا إلى ان نردد وراء “أبو أشرف” هتافات في ساحة السراي- التل (ستسمى لاحقا ساحة عبد الناصر) ضد عبد الناصر نفسه وقد أنقذه الله حين توفاه بعد أن قبل بمشروع روجرز قبل أن يتحول هذا القبول إلى كارثة شخصية عليه، فغادرنا مقاوما بعد أن كان الزعيم العربي الوحيد الذي تحمل بشجاعة مسؤولية هزيمة نكراء.
‎على خلفية كهذه ذهبنا إلى الجامعة اللبنانية، وهي الإبنة الشرعية لكل هذا الحراك المستمر فصولا منذ الإستقلال والمتصاعد بشكل مذهل بعد، 67 وإلى بيروت أم العواصم العربية وحاضنة مثقفيها في النوادي ودور النشر وفي المقاهي والملاهي.
‎في إحدى التظاهرات الطالبية الكبيرة وداخل ” بلوك” المنظمة تعرفت الى جبور الدويهي، إذ كان يسير إلى جانب أحد القارئين الطرابلسيين ويدعى عمر نافع (أبوعلي مع أنه لم يتزوج أبدا)، كان أبو علي ولا يزال قارئا نهما لكل أدبيات الحداثة وأدبيات النهضة أيضا وكان “التنافس” بين اليساريين والمثقفين عموما حول من يقرأ أكثر ومن يقرأ الكتاب الأصعب وكانت كتب النهضة وروايات محفوظ وأشعار السياب ودرويش وغيرهما، على أهميتها تعتبر”تسلاية” مقارنة بكتب بتلهيم ورودونسون وكامو وغرامشي، فضلا عن الثلاثي ماركس ولينين وأنجلز.
‎جبور وأبوعلي كانا زميلين في كلية التربية: جبور يدرس هيغو ورامبو وراسين وأبو علي يدرس نيوتن وأنشتاين وابن الهيثم والإثنان مهتمان بأصل الأنواع. كنا في آخر البلوك ولمن يتذكر، فإن بلوكات المنظمة كانت كبيرة، فلم نكن نسمع أيّاً من “هتيفيّ البلوك”، بل سمعنا شعارات يطلقها بعض المجموعات الفوضوية والتروتسكية التي “التجأت” إلى المنظمة بصفتها رمزا لليسار الجديد والمتمرد أيضا، كانت هذه المجموعات تأتي غالبا من “الآي سي” و”الإيه يو بي” وما شابههما، وكانت هتافاتها تشبهها أيضا حتى أن بعضها كان يهتف free love free love ما دفع أبو علي إلى الطلب منهم تهكما بوقف الهتافات الجنسية.
‎لم تكن هذه الفئات ملتفة حول هذه الشعارات طبعاً، كانت تعبر عن رفضها “للسيستم” بكل مندرجاته ومداخلاته ووسائل “قمعه”، وكان كثير منهم مستعدا للإنخراط بكل نضالات المنظمة الجديدة، بما فيها النضال الفلسطيني الزاحف بكل الإتجاهات والوسائل، ومع ذلك فقد بدت وكأنها تتماهى بغربيتها (أو بتغربها) مع أهل انتفاضة 68 في فرنسا، لذلك كان لهذه الفئات الفوضوية والمرتاحة اقتصاديا بمعظمها، شطحات كثيرة، ما أكسبها تعليقات الجسم الرئيسي في المنظمة (وهو في معظمه ذو أصول شعبية وبروليتارية ومن بعض رقائق الطبقة الوسطى، فضلا عن احتضانها لبعض أبناء وأقرباء “كبار” القوم من الإقطاع السياسي الذي كنا نلعنه صبحا ومساء، ما يؤكد أن مغناطيس المنظمة كان يعمل في كل الإتجاهات أي أنه لبناني مئة في المئة)، كتعليق أحد الرفاق: “بلفلك واحد بورقة”، ردا على دهشة إحدى الرفيقات تعبيرا عن “تمتعها” بتوزيع بيانات على العمال وصرختها “ياي هودي العمال”، أو تعليق “طول بالك باقي بند النقد والنقد الذاتي” لمطلق زمور سيارة سبورمنتظرا صديقته ليصحبها على سهرة غير شكل. وطرابلس التي انجبت نظام، الشخصية الرئيسية في “شريد المنازل”(1) والتي احتضنت الراوي طالباً ومراهقاً و”شريد” مقاهيها (ما زال) وبالطبع استاذا في جامعتها الرسمية، كانت مكاناً ملائماً لملتهمي الكتب وقد عرفت بمكتباتها التجارية، كما بمكتباتها الشخصية، خصوصا مع تطور الحركة الديموقراطية الحداثية، ومع ذلك فقد شكلت هذه الفئات رقاقة غير ملتصقة بالعمل السياسي والنضالي والشعبي المباشر، رغم الاحترام الذي اكتسبته في صفوف بعض الفئات في تلك الفترة. وقد أعطى الدويهي لنظامه اصولاً مزدوجة ككثير من الطرابلسيين، فأمه حمصية ووالده من ميناء طرابلس، كما “خصّه” بوالدين بالتبني من الجرد الماروني الذي شكل في الصيف متنفساً جبلياً لفئات كثيرة من الطبقة الوسطى الطرابلسية، إلا أن نظام ومع كل هذه المكتسبات (وربما بسببها) بدا غير منتنميا وهي اشكالية تجمعه مع بعض الفئات “العلمانوية” وسيعاني منها كل من يحاول الإنفكاك عن المنوعات الطائفية والعشائرية والعائلية. وبما ان نظام الدويهي هو غير منتم فقد أخذه إلى بيروت في رحلة استكشاف ستبدأ بشارع المتنبي وساحة البرج قبل أن تصل الى شقة اولغا المنشطرة والقلقة كبيروت نفسها، تلك المدينة المتوسطية القديمة الحديثة الكوزموبوليتية والتي بدت تتجه رويدا رويدا نحو مصير محتوم.
 
‎للراوي مطلق الحرية في اختيار شخصياته وخصوصا حين يكون الموضوع الرئيسي فيها هو قوة الطوائف وضعف المواطنة وبالتالي ضعف الوطن. ومن ثم هو يريد ان يدين الحرب، خصوصا ان الفترة التي اعقبت مقتل أو استشهاد أو انتحار نظام على يد “مقاتلي” طائفته البيولوجية بعد أن أنقذته الأيقونة او في الحقيقة رغبته في الحياة والحب من “مقاتلي” طائفته بالعمادة، قد شهدت مزيدا من التفكك الذي امتد من الطائفية الى المذهبية والذي فشلت معه محاولة اضافة “طقس” الزواج المدني الاختياري الى طقوس مذاهبه الكثيرة.
‎ومع ذلك فإن لاختيار الشخصيات تداعيات، فالقارىء سيصل الى أحكام لا تدين الحرب وميليشياتها فقط، بل تدين عمليا كل القوى السياسية السائدة بما فيها قوى اليسار ايضا الذي يستأهل طبعا النقد الشديد، ولكن شتان بين النقد مهما كان قاسيا والإدانة مهما كانت رقيقة، واليسار لاتطاله فقط الإدانة (غير المباشرة) بل التهميش المصحوب بسخرية الكاتب الممتعة طبعا، ما دفعني الى اعادة قراءة كتاب فوازطرابلسي “صورة الفتى بالاحمر”(2)، علّي أوفق بالعثور على مكانة وأهمية “خلية نظام” ومجموعة “فري لوف” وأصحاب النقد والنقد الذاتي، اذ انني رغم تأييدي لرأي منى فياض بأن اشخاص خلية نظام هم غير هامشيين، الا انني أميل أيضا إلى ما قاله جورج دورليان في الندوة نفسها، بأنهم لا يشبهوننا ويقصد لا يشبهوننا كما كنا في المنظمة وقد قالها وهو ينظر في الحضور وأكثرهم كان قد مر على “محطة” محسن ابراهيم الحزبية، علما أنّ جورج غادر المحطة باكرا. تجدر الإشارة إلى أن من يشبه أعضاء خلية شقة أولغا كان قد غادر المنظمة أيصا قبل إنفجار الحرب الأهلية في سلسلة الإنشقاقات التي رصدها “الفتى الأحمر”.
 
‎سيحول جبور إذا شقة اولغا ملجأ لكثير من الشاردين وسيضعهم في خلية تنتمي الى تنظيم يساري “شارد”. وإذا كان من الطبيعي ان يختارهم من فئات وطوائف وطبقات واوطان متنوعة الا أنه بدا وكأنه يقول بأن اليسار، الجديد خصوصا، كان هامشيا.
‎ومع تأييدنا لفكرة أن الآلة الطائفية جرفت معها الكثير، ورغم تفهمنا لمبررات الكاتب التي شكلت العشائرية حماية موضوعية له ولغيره، مع اشتداد حدة الحرب الاهلية وانهيار أطر المجموعات اليسارية و المتنورة وتساقطها في مناطق ريفية أو شبه ريفية ذات طابع معين، إلاّ أنّ الواقع المديني كان مختلفا بعض الشيء، خصوصا في بدايات هذه الحرب. ومن المفيد أن نذكر حادثتين في طرابلس، حادثة خطف احد رفاق المنظمة المسيحيين على يد بعض الرعاع في المدينة والمرتبطين بطريقة ما بالإقطاع السياسي، وقد ردت المنظمة الشيوعية بخطف بضعة اشخاص مقربين من الخاطفين وحماتهم، ما أدى الى إطلاق الرفيق فورا، وحادثة قتل (أو اغتيال) الشيوعي الطيب ميخائيل فرح ابن تولا صاحب مكتبة شهيرة في طرابلس لطالما شكلت ملجأ للمطالعة المجانية لغير القادرين، فرد الحزب بـ”إعدام” القاتل موجها رسالة واضحة لحماته من مثيري الفتنة الطائفية.
‎ليس المقصود القول أن طرابلس كانت مدينة علمانية (علما أن تظاهرات اليسار كانت تنطلق معظمها من باحة الجامع المنصوري الكبير) بقدر ما هو مقصود الإشارة إلى تجذر افكار العيش الواحد وقبول الآخر وانتماء اليساريين إلى النسيج الإجتماعي وليس إلى هامشه، علما أن التنوع والتسامح في طرابلس يضربان جذورهما في الزمن، حيث ان المدينة تمنعت بنجاح عن الإنجرار إلى أحداث 1860 كما أنها شكلت ملجأ لبعض الهاربين من جحيم هذه الاحداث، على ما جاء في رسائل القناصل الغربيين إلى دولهم، وهذا لايعني أنها كانت عصية على الإنقسامات والإنشطارات اللاحقة ويكفي أن نتذكر فترة سيطرة الفئات المتشددة في حركة التوحيد، رغم أن المتشددين فيها شكلوا قشرة تغذت من ظروف عدة، كما يكفي أن نرى حجم التفكك والتوتر المذهبي والطائفي والفئوي الآن فيها وفي كل لبنان وبالطبع في المدار العربي الأوسع ومحيطه الإقليمي والدولي، علما أن وجود مفتي متنور في طرابلس يؤكد رجاحة اعتدالها وتسامحها وتنوعها وانفتاحها مها اشتدت الظروف.
 
‎رب قائل “يطعمك حجة والناس راجعة”، فاليسار مفكك، وأزمته، ذات الطابع العالمي، مضاعفة عربيا ولبنانيا، ما يحيل “مطارحتي” الى هبّة رومانسية باتت ملازمة لأجيالنا المخضرمة. فاليسار حقا مفكك ومبعثر وربما غائب عن النظر والسمع معا، إلا أن ملائكته حاضرة في معظم مناحي الحياة الثقافية والإعلامية والمهنية والمدنية والإجتماعية والأكاديمية وحتى السياسية و الإقتصادية! وفي ذلك فائدة استدراكية رغم التراجع النظري والسياسي والتنظيمي، إذ أن اليسار لطالما مارس طقوسا “انعزالية” أبعدته عن الناس ونبضهم، ومع ذلك فإن الفتى الأحمر يرصد تجارب مهمة في عكار(المسعودية مثلا وقد ساهمت فيها شخصيا) وغيرها الكثير، إلا أنها على أهميتها الكبيرة نقرأها متأخرين على أنها “أعمال ذات وجه إنمائي خيري”لم تتجذر وسرعان ما فككتها البنية اللبنانية في سياق التصادم الأهلي، ما يحيل مسألة الإنماء ككل إلى قضية نظرية وبرنامجية في آن واحد وهذا ما حاولت ملامسته في “أصحاب السوابق اليسارية”.
 
‎ومع كل التشاؤم المبرر من تفكك الوطن ووصول الإنقسامات فيه حدود انشطار يخشى معه أن يقع الانفجارالاهلي الذي يؤرق الجميع، وهو ما يدينه ويخشاه ويعمل لمنعه الراوي وقارئوه ومعظم، إن لم نقل، جميع اللبنانيين الواقعين بين المطرقة الإسرائيلية وسندان بعض القوى الإقليمية وما بينهما من إرهاب يتغذى من فئات ودول تدفع أو تساهم في إذكاء نظرية “تصادم الحضارات”، فإنني ما زلت أعتقد بأن شعبا صنع انتفاضة 14 آذار الاستثنائية بدلالاتها ودروسها، لا بد أنه، ورغم كل ما يعتريه من آفات، ما زال يمتلك طاقات كبيرة، ربما على بقايا اليساريين والديموقراطيين والمتنورين (وما أكثرهم) ايجاد وسائل تجميع هذه الطاقات في إطار قوة من “الأمل الذي لا شفاء منه” كما كتب فواز طرابلسي ذات مرة.
‎أما بعد فان رواية جبور الدويهي الاخيرة، ومن زاوية أحد اصحاب السوابق اليسارية، تشكل فرصة مهمة لإعادة اكشتاف ذواتنا عبر قراءة ممتعة، مفيدة ومؤثرة في آن واحد، وأعتقد انني لست الوحيد الذي دمع مع رحيل نظام وتمنّع “عالميه” (أو شعبيه إذا استعرنا لغة سركيس نعوم) عن استقباله وسنبقى نبحث عنه جميعا حتى نجده.
‎هل نضمر في ذلك دعوة لتكوين يسار اكثر جدّة؟ الجواب نعم ، ولكن هذه المرة، نحن نتكلم عن يسار تتشكل افكاره ووسائل تعبيراته من نبض الحياة التي يعيشها اليساريون والديموقراطيون والمتنورون مع الآخرين، لا عنهم، عدا ذلك يصبح شعار ثقافة الحياة قشرة خارجية ينفذ منها القادرون على التمتع بملذاتها فقط.
 
‎فلا طائفة جديدة اسمها اليسار، ولا يسار يتعلق بمقدمتي ابن خلدون وكارل ماركس فقط، (فنانسي ليست كارل ماركس كما يقول حازم صاغية) وينصرف عن بقية مقدمات الحياة وتفاصيلها الكثيرة بـ”حلوها ومرها”، كما في الرائعة التي جسدتها فاتن حمامة في “يوم حلو ويوم مر” و كما في رائعة جبور التي وإن بدا مرها اكثر من حلوها، فإنها تحمل دعوة نحو ثقافة الحياة، رغم ما بدا فيها من انتحار شبه جماعي، وهو ما يدعونا إلى الإعتقاد بأن الوجه الآخر لإختفاء جثمان نظام هو أنه حي يرزق وإذا أ ضفنا إلى “استشهاده” قضية الإغتيالات التي تأتي في سياق اطفاء الجانب المضيء من الموديل اللبناني، سنكون بحاجة ربما إلى إيف مونتان آخر وZ آخر، فهل نحن أمام إرهاصات من هذا النوع؟ أم أنّ المخاض طويل وشاق ولبنان ما زال معلقا على الصليب؟
 
 
‎(1) جبور الدويهي – “شريد المنازل” – “دار النهار” للنشر 2010.
‎(2) فواز طرابلسي – صورة الفتى بالأحمر – دار رياض الريس للكتب والشر –
1997.