Elie Abdo writes this review for Al Doha magazine.
February 2014
Below is a translated excerpt.
In “American neighborhood’, Douaihy stays close to a narrative he’s experienced before, and successfully captures the societal transformations that affect his country. However, he also bravely tackles the appearance of suicide bombers in the Lebanese city of Tripoli, making of it an elusive phenomenon rather than a set feature of the city. Indeed, Ismail [the main character] is nothing but an expression of the city’s deeper shifts.
:: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
السبب الذي يدفع إسماعيل محسن للتراجع عن قراره بتنفيذ عملية انتحارية داخل باص للركّاب في العراق، يحيل رواية «حيّ الأميركان» (دار الساقي، بيروت) للروائي اللبناني جبور الدويهي إلى شبكة معقَّدة من المسارات المتصادمة، ليس على مستوى الشخصيات فحسب، بل على صعيد المدينة التي يرصد الكاتب أحوال اجتماعها.
ذلك أن الجهادي الذي جرى تجنيده عبر جمعية «الهداية الإسلامية» في مدينة طرابلس شمال لبنان، ينتبه قبل لحظة من إقدامه على تفجير نفسه إلى وجود طفل صغير يشبه أخاه من بين ركّاب الحافلة. فبدل أن يضغط على الحزام الناسف الملتفّ حول جسده، يضع إبهامه على أنفه ويحرِّك أصابعه بحركة كاراكوزية اعتاد أن يُضحك بها أخاه.
بين الحركتين: محاولة تفجير الحزام وتحريك الأصابع بطريقة مضحكة تقع حياة إسماعيل محسن الذي يقطن مع والده بلال وأمه انتصار في حَيّ الأميركان الفقير في طرابلس. وهي حياة تنازعية تميل نحو العادية في مسارها الأول، وتسعى لتلبس معنى ما، عبر مسارها الثاني. عرض العلاقة بين المساريين أو تداخلهما بحيث يُنتج أحدهما الآخر لا يهدف إلى رصد بيئة الجهاديين وشرح الظروف التي تساهم بتجنيدهم، بقدر ما يهدف إلى نفيها وإظهار هشاشتها. إذ يختفي إسماعيل محسن في نهاية الرواية بعد أن كان بطلاً وشهيداً في وعي سكان الحي تصبح قصصه مدعاة للضجر حين يصغون إليها من والده العجوز.
صحيح أن حياة اسماعيل مُتَّصلة بقوّة بتحوُّلات الحيّ الذي خرج منه، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الحياة تتوسَّع في دلالتها لتكثِّف الأطوار التي مرّت بها طبقة الفقراء في مدينة طرابلس، من زمن تأدية الخدمات إلى أعيان المدينة ووجوهها السياسية مروراً بمرحلة التشدُّد الديني، وصولاً إلى الانخراط بالجهاد العالمي.
في المقابل، يتولّى عبد الكريم عزام سليل الأسرة النافذة في المدينة مهمّة التقاط الأحوال التي رست عليها الطبقة الغنية في المدينة. والده الذي كان من أهمّ الزعماء المحليّين، تراجع دوره بعد موجة التشدّد، وباتت العائلة مجرَّد حالة رمزية لا تملك أي نفوذ. عبد الكريم لم يكن معنيّاً بهذا المسار الانحداري لعائلته، غادر إلى باريس ليتعرّف هناك إلى راقصة تشيكيّة تدعى فاليريا ليولع بها، لكن الأخيرة سرعان ما تتخلّى عنه وتعود إلى بلدها، لتتحوَّل إلى ذكرى قاسية تسيطرعلى حياة عبد الكريم، الذي يرجع إلى مدينته وبيت عائلته مستحضراً حبَّه لفاليريا، عبر الاستماع إلى الموسيقى والاعتناء بأشجار الليمون.
تتوازى أحوال الطبقتين: الفقيرة، والغنية في الرواية عبر إسماعيل وعبد الكريم. إذ تتقاسم الشخصيتان هزائم السرد ومراراته عبر العيش عند نقطة التقاطع بين مسار وآخر. ففي حين يتصادم المسار الجهادي في حياة إسماعيل مع حياته السابقة التي كانت تتوخّى العادية، يمضي عبد الكريم يومياته بين ماضي عائلته الذهبي وذكرى حبيبته الضائعة. المسارات الحياتية المتصادمة في نص جبور الدويهي، التي تدفع الأبطال للعيش في الحالة المعلّقة، تنفتح على عمومية اجتماعية تخصّ مدينة طرابلس المعلّقة بدورها بين زعامات سياسية تقليدية وظواهر أصولية مخيفة باتت تهدِّد نسيجها المتنوِّع.
واللافت أن حالة التردُّد المسارية التي تتوزاى بين الشخصيات ومدينتهم لا تتطابق مع أسلوب السرد الذي يعتمده الكاتب، بحيث يبدو الدويهي حاسماً في تسجيل الوقائع متجنِّباً التشكيك بأي تفصيل. تقلّب أحوال المدينة ومسارات الشخصيات لم يستدعِ أيَّ تحوُّل أسلوبي من قبل الكاتب، لتنتقل عدوى التنازع والتصادم من مضمون الرواية إلى شكلها، بحيث تحسم التقنية الواحدة، ما يبدو تردّداً في حيوات الشخصيات وتاريخ مدينتهم.
رغم العلاقة الطبقية التي يحاول الكاتب أن يبنيها بين عائلتي محسن وعزام، عبر عمل والدة إسماعيل مدبّرة منزل لدى آل عزام، فإن هذه العلاقة تتطوَّر في الرواية، حين يتعرّف عبد الكريم إلى إسماعيل، ويهذيان معاً في ليلة سُكر بكلّ الخيبات والمواجع. وليس غير ذي دلالة، أن يلجأ إسماعيل، العائد حديثاً من العراق متهمّاً بالانتماء إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، إلى آل عزام حيث يقوم عبد الكريم بتهريبه من يد الأمن عبر إلباسه ثوباً من أثواب حبيبته فاليريا، وكأن التخلُّص من ذكرى الحبيبية لدى عبد الكريم تزامن مع تخلُّص إسماعيل من مساره الجهادي. فستان فاليريا لم يكن سوى إشارة إلى تقاطع الخلاصين.
لم يبتعد جبور الدويهي في «حَيّ الأميركان»، عن مساره الروائي في التقاط التحوُّلات المجتمعية التي تصيب المناطق المحلّيّة في بلده، لكنه تجرّأ على رصد ظاهرة الانتحاريين في مدينة طرابلس اللبنانية، بدون أن يجعلها واقعة ثابتة. ذاك أن إسماعيل لم يكن سوى علامة على تحوُّلات المدينة التي لم تستقرّ على حال